فصل: 715 - مَسْأَلَةٌ: وَالزَّكَاةُ لِلْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمَجْنُونِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


زَكَاةُ الْفِطْرِ

704 - مَسْأَلَةٌ

زَكَاةُ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ فَرْضٌ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ‏,‏ كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ‏,‏ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى‏,‏ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ‏,‏ وَإِنْ كَانَ مَنْ ذَكَرْنَا جَنِينًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ

وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّاعَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ قَبْلُ‏,‏ وَلاَ يُجْزِئُ شَيْءٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا‏,‏ لاَ قَمْحَ‏,‏ وَلاَ دَقِيقَ قَمْحٍ أَوْ شَعِيرٍ‏,‏ وَلاَ خُبْزَ، وَلاَ قِيمَةَ، وَلاَ شَيْءَ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا‏,‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حدثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ أَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ‏,‏ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ‏,‏ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ‏:‏ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْبَلْخِيُّ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حدثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِزَكَاةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ‏.‏

وقال مالك‏:‏ لَيْسَتْ فَرْضًا‏,‏ وَاحْتَجَّ لَهُ مَنْ قَلَّدَهُ بِأَنْ قَالَ‏:‏ مَعْنَى ‏"‏ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أَيُّ قَدَّرَ مِقْدَارَهَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا خَطَأٌ‏,‏ لأَِنَّهُ دَعْوًى بِلاَ بُرْهَانٍ وَإِحَالَةُ اللَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ بِلاَ دَلِيلٍ‏.‏

وَقَدْ أَوْرَدَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِهَا وَأَمْرُهُ فَرْضٌ‏,‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ وَذَكَرُوا خَبَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ‏,‏ فَلَمَّا نَزَلَتْ الزَّكَاةُ لَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا‏,‏ وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ وَعَنْهُ أَيْضًا كُنَّا نَصُومُ عَاشُورَاءَ وَنُعْطِي الْفِطْرَ مَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْنَا صَوْمُ رَمَضَانَ وَالزَّكَاةُ‏,‏ فَلَمَّا نَزَلاَ لَمْ نُؤْمَرْ وَلَمْ نُنْهَ عَنْهُ‏,‏ وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ وَقَالَ أبو محمد وَهَذَا الْخَبَرُ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ لأَِنَّ فِيهِ أَمْرَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بِزَكَاةِ الْفِطْرِ‏,‏ فَصَارَ أَمْرًا مُفْتَرَضًا ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ فَبَقِيَ فَرْضًا كَمَا كَانَ‏,‏ وأما يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَلَوْلاَ أَنَّهُ عليه السلام صَحَّ، أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ‏:‏ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ لَكَانَ فَرْضُهُ بَاقِيًا‏,‏ وَلَمْ يَأْتِ مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ‏;‏ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ‏,‏ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ‏}‏ وَقَدْ سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ‏:‏ زَكَاةً‏,‏ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا‏,‏ وَالدَّلاَئِلُ عَلَى هَذَا تَكْثُرُ جِدًّا وَرُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ‏,‏ وَأَبِي قِلاَبَةَ قَالاَ جَمِيعًا‏:‏ زَكَاةُ الْفِطْرِ فَرِيضَةٌ‏,‏ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَغَيْرِهِمَا‏.‏

وَأَجَازَ قَوْمٌ أَشْيَاءَ غَيْرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ قَوْمٌ‏:‏ يُجْزِئُ فِيهَا الْقَمْحُ وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ وَالزَّبِيبُ‏,‏ وَالأَقِطُ‏.‏

وَاحْتَجُّوا بِأَشْيَاءَ مِنْهَا‏:‏ أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ إنَّمَا يُخْرِجُ كُلُّ أَحَدٍ مِمَّا يَأْكُلُ وَمِنْ قُوتِ أَهْلِ بَلَدِهِ‏,‏ فَقُلْنَا‏:‏ هَذِهِ دَعْوَى بَاطِلٍ بِلاَ بُرْهَانٍ‏,‏ ثُمَّ قَدْ نَقَضْتُمُوهَا لأَِنَّهُ إنَّمَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ لاَ الْحَبَّ‏:‏ فَأَوْجَبُوا أَنْ يُعْطِيَ خُبْزًا لأَِنَّهُ هُوَ أَكَلَهُ‏,‏ وَهُوَ قُوتُ أَهْلِ بَلَدِهِ‏,‏ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ هُوَ غَيْرُ مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَرُ‏.‏

قلنا‏:‏ صَدَقْتُمْ‏,‏ وَكَذَلِكَ مَا عَدَا التَّمْرَ‏,‏ وَالشَّعِيرَ‏,‏ وَقَالُوا‏:‏ إنَّمَا خَصَّ عليه السلام بِالذَّكَرِ التَّمْرَ‏,‏ وَالشَّعِيرَ‏;‏ لأَِنَّهُمَا كَانَا قُوتَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا قَوْلٌ فَاحِشٌ جِدًّا‏;‏ أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكْشُوفٌ‏,‏ لأَِنَّ هَذَا الْقَائِلَ قَوَّلَهُ عليه السلام مَا لَمْ يَقُلْ‏;‏ وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا‏,‏ وَيُقَالُ لَهُ‏:‏ مِنْ أَيْنَ لَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ الْقَمْحَ‏,‏ وَالزَّبِيبَ‏;‏ فَسَكَتَ عنهما وَقَصَدَ إلَى التَّمْرِ‏,‏ وَالشَّعِيرِ‏;‏ أَنَّهُمَا قُوتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ‏,‏ وَهَذَا لاَ يَعْلَمْنَهُ إلاَّ مَنْ أَخْبَرَهُ عليه السلام بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ‏,‏ أَوْ مَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ وَحَيٌّ بِذَلِكَ‏,‏ وَأَيْضًا‏:‏ فَلَوْ صَحَّ لَهُمْ ذَلِكَ لَكَانَ الْفَرْضُ فِي ذَلِكَ لاَ يَلْزَمُ إلاَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَقَطْ‏,‏ وَأَيْضًا‏:‏ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ وَأَنْذَرَ بِذَلِكَ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيَفْتَحُ لَهُمْ الشَّامَ‏,‏ وَالْعِرَاقَ‏,‏ وَمِصْرَ‏,‏ وَمَا وَرَاءَ الْبِحَارِ‏,‏ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَلْبِسَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْبِلاَدِ دِينَهُمْ فَيُرِيدُ مِنْهُمْ أَمْرًا، وَلاَ يَذْكُرُهُ لَهُمْ وَيَلْزَمُهُمْ بِكَلاَمِهِ مَا لاَ يَلْزَمُهُمْ مِنْ التَّمْرِ‏,‏ وَالشَّعِيرِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الظَّنِّ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَطِ‏,‏ وَاحْتَجُّوا بِأَخْبَارٍ فَاسِدَةٍ لاَ تَصِحُّ‏:‏ مِنْهَا خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ‏:‏ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةَ الْفِطْرِ‏:‏ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ وَالْحَارِثُ ضَعِيفٌ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ إلاَّ الأَقِطُ لاَ سَائِرَ مَا يُجِيزُونَ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيِّ عَنْ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ‏.‏

وَكَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سَاقِطٌ‏,‏ لاَ تَجُوزُ الرِّوَايَةُ عَنْهُ‏,‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلاَّ الأَقِطُ‏,‏ وَالزَّبِيبُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ نَصْرِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ الْمَدَنِيِّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ‏,‏ أَوْ مِنْ شَعِيرٍ‏,‏ أَوْ مِنْ قَمْحٍ‏,‏ وَيَقُولُ أَغْنُوهُمْ عَنْ تَطْوَافِ هَذَا الْيَوْمِ‏.‏

وَأَبُو مَعْشَرٍ الْمَدَنِيُّ هَذَا نَجِيحٌ مُطَّرَحٌ يُحَدِّثُ بِالْمَوْضُوعَاتِ عَنْ نَافِعٍ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ يَعْلَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ رَشَادٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَاعًا مِنْ بُرٍّ عَنْ كُلِّ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى‏,‏ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ‏,‏ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ‏,‏ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ وَالنُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ ضَعِيفٌ كَثِيرُ الْغَلَطِ‏;‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ قَدْ خَالَفَهُ‏;‏ لأَِنَّهُ لاَ يُوجِبُ إلاَّ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى

حدثنا بَكْرُ بْنُ وَائِلِ بْنِ دَاوُد، حدثنا الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ‏,‏ أَوْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ‏:‏ صَاعَ تَمْرٍ‏,‏ أَوْ صَاعَ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ‏,‏ أَوْ صَاعَ قَمْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ‏.‏

وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهَذَانِ مُرْسَلاَنِ‏:‏ وَمِنْ طَرِيقِ مُسَدَّدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ‏:‏ صَاعٌ مِنْ قَمْحٍ عَلَى كُلِّ اثْنَيْنِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْعَتَكِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ‏,‏ أَوْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ‏:‏ صَاعٌ مِنْ بُرٍّ عَلَى كُلِّ اثْنَيْنِ‏.‏

فَحَصَل هَذَا الْحَدِيثُ رَاجِعًا إلَى رَجُلٍ مَجْهُولِ الْحَالِ‏,‏ مُضْطَرِبٍ عَنْهُ‏,‏ مُخْتَلَفٍ فِي اسْمِهِ‏,‏ مَرَّةً‏:‏ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ‏,‏ وَمَرَّةً‏:‏ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَلْقَ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ‏,‏ وَلَيْسَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ صُحْبَةٌ‏.‏

وَأَحْسَنُ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْبَابِ مَا حَدَّثَنَاهُ هَمَّامُ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حدثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ‏,‏ أَنَّ الزُّهْرِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ‏:‏ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَامَ خَطِيبًا فَأَمَرَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ‏,‏ صَاعَ تَمْرٍ‏,‏ أَوْ صَاعَ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَلَمْ يَذْكُرْ‏:‏ ‏"‏ الْبُرَّ ‏"‏، وَلاَ شَيْئًا غَيْرَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ‏:‏ وَلَكِنَّا لاَ نَحْتَجُّ بِهِ‏;‏ لأَِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَعْلَبَةَ مَجْهُولٌ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏,‏ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْمَدَنِيِّ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمُظَاهِرٍ شَعِيرًا وَقَالَ‏:‏ أَطْعِمْ هَذَا‏,‏ فَإِنَّ مُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ يَقْضِيَانِ مُدًّا مِنْ قَمْحٍ وَهَذَا مُرْسَلٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جَرِيرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا حَجَّ بَعَثَ صَارِخًا فِي بَطْنِ مَكَّةَ‏:‏ أَلاَ إنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُدَّانِ مِنْ حِنْطَةٍ‏,‏ أَوْ صَاعٌ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الطَّعَامِ وَهَذَا مُرْسَلٌ‏.‏

وَعَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ كَانُوا يُخْرِجُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ‏.‏

وَهَذَا مُرْسَلٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ‏,‏ وَعُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ‏,‏ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ‏,‏ وَعُقَيْلٌ‏:‏ عَنْ الزُّهْرِيِّ‏,‏ وَقَالَ عَمْرٌو‏:‏ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ ثُمَّ اتَّفَقَ يَزِيدُ‏,‏ وَالزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةَ الْفِطْرِ‏:‏ مُدَّيْنِ حِنْطَةً وَهَذَا مُرْسَلٌ‏.‏

وَمِثْلُهُ أَيْضًا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ‏,‏ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ‏,‏ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ‏,‏ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ‏,‏ كُلِّهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ مَرَاسِيلُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَضَهَا يَعْنِي زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ‏,‏ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، وَلاَ يَصِحُّ لِلْحَسَنِ سَمَاعٌ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏

وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ‏,‏ وَأَوْسِ بْنِ الْحَارِثِ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ‏.‏

وَكُلُّ ذَلِكَ لاَ يَصِحُّ‏,‏ وَلاَ يَشْتَغِلُ بِهِ‏,‏ وَلاَ يَعْمَلُ بِهِ إلاَّ جَاهِلٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا مِمَّا نَقَضَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فِيهِ أَصْلَهَا‏:‏ فأما الشَّافِعِيُّونَ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ عَنْ الشَّافِعِيِّ‏:‏ بِأَنَّ مُرْسَلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ حُجَّةٌ‏,‏ وَقَدْ تَرَكُوا هَاهُنَا مُرْسَلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ‏:‏ وقال الشافعي‏:‏ فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْهِ لاَ تُجْزِئُ زَكَاةُ الْفِطْرِ إلاَّ مِنْ حَبٍّ تَخْرُجُ مِنْهُ الزَّكَاةُ‏,‏ وَتُوقَفُ فِي الأَقِطِ‏,‏ وَأَجَازَهُ مَرَّةً أُخْرَى‏:‏ وأما الْمَالِكِيُّونَ‏,‏ فَأَجَازُوا الْمُرْسَلَ وَجَعَلُوهُ كَالْمُسْنَدِ‏,‏ وَخَالَفُوا هَاهُنَا مِنْ الْمَرَاسِيلِ مَا لَوْ جَازَ قَبُولُ شَيْءٍ مِنْهَا لَجَازَ هَاهُنَا‏,‏ لِكَثْرَتِهَا وَشُهْرَتِهَا وَمَجِيئِهَا مِنْ طَرِيقِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ‏.‏

وأما الْحَنَفِيُّونَ فَإِنَّهُمْ فِي أَشْهَرِ رِوَايَاتِهِمْ عَنْهُ جَعَلَ الزَّبِيبَ كَالْبُرِّ فِي أَنَّهُ يُجْزِئُ مِنْهُ نِصْفُ صَاعٍ‏,‏ وَلَمْ يُجِزْ الأَقِطَ إلاَّ بِالْقِيمَةِ‏,‏ وَلاَ أَجَازَ غَيْرَ الْبُرِّ‏,‏ وَالشَّعِيرِ وَدَقِيقِهِمَا وَسَوِيقِهِمَا‏,‏ وَالتَّمْرِ‏,‏ وَالزَّبِيبِ فَقَطْ إلاَّ بِالْقِيمَةِ‏,‏ وَهَذَا خِلاَفٌ لِبَعْضِ هَذِهِ الآثَارِ وَخِلاَفٌ لِجَمِيعِهَا فِي إجَازَةِ الْقِيمَةِ‏,‏ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ إطْبَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ رَاوِيَ الْخَبَرِ إذَا تَرَكَهُ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى سُقُوطِ الْخَبَرِ‏,‏ كَمَا فَعَلُوا فِي خَبَرِ غَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا‏.‏

وَقَدْ حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ الرُّقِيُّ عَنْ مَخْلَدٍ، هُوَ ابْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ هِشَامٍ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ ذَكَرَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَقَالَ ‏"‏ صَاعٌ مِنْ بُرٍّ‏,‏ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ‏,‏ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ‏,‏ أَوْ صَاعٌ مِنْ سُلْتٍ ‏"‏‏.‏

فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ خَالَفَ مَا رُوِيَ بِأَصَحَّ إسْنَادٍ يَكُونُ عَنْهُ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِمْ رَدُّ تِلْكَ الرِّوَايَةِ‏,‏ وَإِلاَّ فَقَدْ نَقَضُوا أَصْلَهُمْ‏.‏

وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ حَدِيثًا صَحِيحًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ‏,‏ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ‏;‏ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ ‏"‏ قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا غَيْرُ مُسْنَدٍ‏,‏ وَهُوَ أَيْضًا مُضْطَرِبٌ فِيهِ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ‏.‏

فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ

حدثنا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ عَنْ زَيْدٍ، هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ‏:‏ كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ‏,‏ وَكَانَ طَعَامُنَا‏:‏ الشَّعِيرَ‏,‏ وَالزَّبِيبَ‏,‏ وَالأَقِطَ وَالتَّمْرَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ أَخْبَرَنِي عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ‏:‏ كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِينَا عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ‏,‏ حُرٍّ وَمَمْلُوكٍ‏:‏ مِنْ ثَلاَثَةِ أَصْنَافٍ‏:‏ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ‏,‏ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ‏,‏ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ‏.‏

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ‏:‏ فأما أَنَا فَلاَ أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَذَلِكَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ

حدثنا ابْنُ عَجْلاَنَ سَمِعْتُ عِيَاضَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُخْبِرُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ‏:‏ لَمْ نُخْرِجْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلاَّ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ سُلْتٍ ثُمَّ شَكَّ سُفْيَانُ فَقَالَ‏:‏ دَقِيقٌ أَوْ سُلْتٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّ عِيَاضَ بْنَ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ‏:‏ كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَاعًا مِنْ تَمْرٍ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ‏,‏ لاَ نُخْرِجُ غَيْرَهُ يَعْنِي فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ‏,‏ قال أبو محمد‏:‏ فَفِي بَعْضِ هَذِهِ الأَخْبَارِ إبْطَالُ إخْرَاجِ ‏"‏ الْبُرِّ ‏"‏ جُمْلَةً‏,‏ وَفِي بَعْضِهَا إثْبَاتُ الزَّبِيبِ‏,‏ وَفِي بَعْضِهَا نَفْيُهُ‏,‏ وَإِثْبَاتُ الأَقِطِ جُمْلَةً‏,‏ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ‏,‏ وَهُمْ يَعِيبُونَ الأَخْبَارَ الْمُسْنَدَةَ الَّتِي لاَ مَغْمَزَ فِيهَا بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا الاِضْطِرَابِ‏,‏ كَحَدِيثِ إبْطَالِ تَحْرِيم الرَّضْعَةِ وَالرَّضْعَتَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ‏.‏

ثُمَّ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ خَبَرٌ مُسْنَدٌ‏;‏ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ‏,‏ وَلاَ عَجَبَ أَكْثَرَ مِمَّنْ يَقُولُ فِي خَبَرِ جَابِرٍ الثَّابِتِ‏:‏ كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الثَّابِتُ ذَبَحْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ أَنَّ هَذَانِ لَيْسَا مُسْنَدَيْنِ ‏"‏ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ‏,‏ ثُمَّ يَجْعَلُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا مُسْنَدًا عَلَى اضْطِرَابِهِ وَتَعَارُضِ رُوَاتِهِ فِيهِ فَلْيَقُلْ كُلُّ ذِي عَقْلٍ‏:‏ أَيُّمَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْعُ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أُمَّ وَلَدِهِ‏,‏ أَوْ ذَبْحُ فَرَسٍ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَوْ بَيْتِ الزُّبَيْرِ‏,‏ وَبَيْتَاهُمَا مُطْنِبَانِ بِبَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَابْنَتُهُ عِنْدَهُ‏,‏ عَلَى عِزَّةِ الْخَيْلِ عِنْدَهُمْ وَقِلَّتِهَا وَحَاجَتِهِمْ إلَيْهَا‏,‏ أَمْ صَدَقَةُ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي بَنِي خُدْرَةَ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ بِصَاعِ أَقِطٍ‏,‏ أَوْ صَاعِ زَبِيبٍ‏,‏ وَلَوْ ذُبِحَ فَرَسٌ لِلأَكْلِ فِي جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ بَغْدَادَ مَا كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى فِي الْجَانِبِ الآخَرِ‏,‏ وَلَوْ تَصَدَّقَتْ امْرَأَةُ أَحَدِنَا أَوْ جَارُهُ الْمُلاَصِقُ بِصَاعِ أَقِطٍ‏;‏ أَوْ صَاعِ زَبِيبٍ وَصَاعِ قَمْحٍ‏,‏ مَا كَادَ هُوَ يَعْلَمُهُ فِي الأَغْلَبِ‏;‏ فَاعْجَبُوا لِعَكْسِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ الْحَقَائِقَ‏,‏ ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الطَّوَائِفَ الثَّلاَثَةَ مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ‏.‏

أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَأَشْهَرُ أَقْوَالِهِ أَنَّ نِصْفَ صَاعِ زَبِيبٍ يُجْزِئُ، وَأَنَّ الأَقِطَ لاَ يُجْزِئُ إلاَّ بِالْقِيمَةِ‏.‏

وأما الشَّافِعِيُّ فَأَشْهَرُ أَقْوَالِهِ أَنَّ الأَقِطَ لاَ يُجْزِئُ‏,‏ وَأَجَازَ إخْرَاجَ مَا مَنَعَتْ هَذِهِ الأَخْبَارُ مِنْ إخْرَاجِهِ‏,‏ مِمَّا لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا مِنْ الذُّرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ‏.‏

وأما الْمَالِكِيُّونَ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّونَ فَخَالَفُوهَا جُمْلَةً‏;‏ لأَِنَّهُمْ لاَ يُجِيزُونَ إخْرَاجَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فِي هَذَا الْخَبَرِ إلاَّ لِمَنْ كَانَتْ قُوتَهُ‏,‏ وَخَبَرُ أَبِي سَعِيدٍ لاَ يُخْتَلَفُ فِيهِ أَنَّهُ عَلَى التَّخْيِيرِ‏,‏ وَكُلُّهُمْ يُجِيزُ إخْرَاجَ مَا مَنَعَتْ هَذِهِ الأَخْبَارُ مِنْ إخْرَاجِهِ‏,‏ فَمَنْ أَضَلَّ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِمَا هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ مَا هَذَا مِنْ التَّقْوَى‏,‏ وَلاَ مِنْ الْبِرِّ‏,‏ وَلاَ مِنْ النُّصْحِ لِمَنْ أَغْتَرَّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

وأما نَحْنُ فَوَاَللَّهِ لَوْ انْسَنَدَ صَحِيحًا شَيْءٌ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الأَخْبَارِ لَبَادَرَنَا إلَى الأَخْذِ بِهِ‏,‏ وَمَا تَوَقَّفْنَا عِنْدَ ذَلِكَ‏,‏ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا مُسْنَدٌ صَحِيحٌ، وَلاَ وَاحِدٌ‏,‏ فَلاَ يَحِلُّ الأَخْذُ بِهَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى‏,‏ وقال بعضهم‏:‏ إنَّمَا قلنا بِجَوَازِ الْقَمْحِ لِكَثْرَةِ الْقَائِلِينَ بِهِ‏,‏ وَجَمَحَ فَرَسُ بَعْضِهِمْ فَادَّعَى الإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ جُرْأَةً وَجَهْلاً‏,‏ فَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ‏,‏ وَالآُنْثَى‏,‏ وَالْحُرِّ‏,‏ وَالْعَبْدِ‏:‏ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ‏.‏

قَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ فَعَدَلَهُ النَّاسُ بَعْدُ‏:‏ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَعَدَلَ النَّاسُ بَعْدُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي التَّمْرَ‏,‏ فَأَعْوَزَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ التَّمْرَ عَامًا فَأَعْطَى الشَّعِيرَ ‏"‏‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لَوْ كَانَ فِعْلُ النَّاسِ حُجَّةً عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ مَا اسْتَجَازَ خِلاَفَهُ‏,‏ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ‏}‏‏.‏

وَلاَ حُجَّةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ‏,‏ لَكِنَّهُ حُجَّةٌ عَلَى النَّاسِ وَعَلَى الْجِنِّ مَعَهُمْ‏,‏ وَنَحْنُ نَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِخِلاَفِ النَّاسِ الَّذِينَ تَقَرَّبَ ابْنُ عُمَرَ إلَيْهِ بِخِلاَفِهِمْ‏,‏ وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنٍ عَنْ زَائِدَةَ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رُوَادٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ النَّاسُ يُخْرِجُونَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ‏,‏ أَوْ تَمْرٍ‏,‏ أَوْ زَبِيبٍ‏,‏ أَوْ سُلْتٍ قال أبو محمد‏:‏ هَذَا لاَ يَنْسَنِدُ‏,‏ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِمَ ذَلِكَ وَأَقَرَّهُ‏,‏ ثُمَّ خِلاَفُهُمْ لَهُ لَوْ أُسْنِدَ وَصَحَّ كَخِلاَفِهِمْ لِسَعِيدٍ الَّذِي ذَكَرْنَا‏,‏ وَإِبْطَالُ تَهْوِيلِهِمْ بِمَا فِيهِ مِنْ ‏"‏ كَانَ النَّاسُ يُخْرِجُونَ ‏"‏ بِخِلاَفِ ابْنِ عُمَرَ الْمُخْبِرِ عنهم كَمَا فِي خَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ سَوَاءٌ سَوَاءٌ‏,‏ وَأَيْضًا فَإِنَّ رَاوِيَ هَذَا الْخَبَرِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رُوَادٍ‏,‏ وَهُوَ ضَعِيفٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا وَكِيعٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ قُلْت لاِبْنِ عُمَرَ‏:‏ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْسَعَ‏,‏ وَالْبُرُّ أَفْضَلُ مِنْ التَّمْرِ يَعْنِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ إنَّ أَصْحَابِي سَلَكُوا طَرِيقًا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْلُكَهُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ لاَ يُخْرِجُ إلاَّ التَّمْرَ‏,‏ أَوْ الشَّعِيرَ‏,‏ وَلاَ يُخْرِجُ الْبُرَّ‏,‏ وَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ‏,‏ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ فِي عَمَلِهِ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ أَصْحَابِهِ‏;‏ فَهَؤُلاَءِ هُمْ النَّاسُ الَّذِينَ يُسْتَوْحَشُ مِنْ خِلاَفِهِمْ وَهُمْ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم‏,‏ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ‏,‏ وَإِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ الإِجْمَاعَ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا إذَا وَجَدُوهُ‏.‏

وَعَنْ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ‏:‏ كَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ يُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ إذَا كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَرْسَلَ صَدَقَةَ كُلِّ إنْسَانٍ مِنْ أَهْلِهِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ‏,‏ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ

حدثنا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ قَالَ‏:‏ كَانَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لاَ يُخْرِجُ إلاَّ تَمْرًا ‏"‏ يَعْنِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ‏.‏

فَهَؤُلاَءِ‏:‏ ابْنُ عُمَرَ‏,‏ وَالْقَاسِمُ‏,‏ وَسَالِمٌ‏,‏ وَعُرْوَةُ‏:‏ لاَ يُخْرِجُونَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ إلاَّ التَّمْرَ‏,‏ وَهُمْ يَقْتَاتُونَ الْبُرَّ بِلاَ خِلاَفٍ‏,‏ وَإِنَّ أَمْوَالَهُمْ لَتَسَعُ إلَى إخْرَاجِ صَاعِ دَرَاهِمَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ‏,‏ وَلاَ يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي أَمْوَالِهِمْ‏.‏

رضي الله عنهم فإن قيل‏:‏ هُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قلنا‏:‏ مَا خَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحُكْمِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنْ أَهْلِ الصِّينِ‏,‏ وَلاَ بَعَثَ إلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ‏.‏

وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ إجَازَةِ مَالِكٍ إخْرَاجَ الذُّرَةِ‏,‏ وَالدَّخَنِ‏,‏ وَالآُرْزِ لِمَنْ كَانَ ذَلِكَ قُوتَهُ‏,‏ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي شَيْءٍ مِنْ الأَخْبَارِ أَصْلاً‏,‏ وَمَنَعَ مِنْ إخْرَاجِ الدَّقِيقِ لأَِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الأَخْبَارِ‏;‏ وَمَنَعَ مِنْ إخْرَاجِ الْقَطَانِيِّ وَإِنْ كَانَتْ قُوتَ الْمُخْرِجِ‏,‏ وَمَنَعَ مِنْ التِّينِ‏,‏ وَالزَّيْتُونِ‏,‏ وَإِنْ كَانَا قُوتَ الْمُخْرِجِ‏,‏ وَهَذَا تَنَاقُضٌ‏,‏ وَخِلاَفٌ لِلأَخْبَارِ‏,‏ وَتَخَاذُلٌ فِي الْقِيَاسِ‏,‏ وَإِبْطَالُهُمْ لِتَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّ الْبُرَّ أَفْضَلُ مِنْ الشَّعِيرِ‏,‏ وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ الدَّقِيقَ وَالْخُبْزَ مِنْ الْبُرِّ وَالسُّكَّرُ أَفْضَلُ مِنْ الْبُرِّ وَأَقَلُّ مُؤْنَةٍ وَأَعْجَلُ نَفْعًا‏,‏ فَمَرَّةً يُجِيزُونَ مَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ‏,‏ وَمَرَّةً يَمْنَعُونَ مِمَّا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ‏;‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الشَّافِعِيِّينَ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَشَغِبَ الْحَنَفِيُّونَ بِأَخْبَارٍ نَذْكُرُ مِنْهَا طَرَفًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ مِنْهَا خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ‏,‏ وَشُعْبَةَ‏,‏ كِلاَهُمَا عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ سَمِعَ أَبَا قِلاَبَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مَنْ أَدَّى إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ نِصْفَ صَاعٍ بُرٍّ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رُوَادٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ كَانَ النَّاسُ يُخْرِجُونَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ‏,‏ أَوْ تَمْرٍ‏,‏ أَوْ سُلْتٍ‏,‏ أَوْ زَبِيبٍ‏.‏

قَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ وَكَثُرَتْ الْحِنْطَةُ جَعَلَ عُمَرُ نِصْفَ صَاعِ حِنْطَةٍ مَكَانَ صَاعٍ مِنْ تِلْكَ الأَشْيَاءِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ خَالِدِ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الأَشْعَثَ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه وَهُوَ يَخْطُبُ‏,‏ فَقَالَ‏:‏ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ‏:‏ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ‏,‏ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ‏,‏ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ‏:‏ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ‏,‏ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ‏,‏ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ ‏"‏ كَانَ النَّاسُ يُعْطُونَ زَكَاةَ رَمَضَانَ نِصْفَ صَاعٍ‏,‏ فأما إذْ أَوْسَعَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى النَّاسِ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ ‏"‏‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ‏:‏ كَانَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقِ تُعْطِي زَكَاةَ الْفِطْرِ عَمَّنْ تَمَوَّنَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ‏,‏ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ‏,‏ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ‏,‏ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ‏:‏ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ‏,‏ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ فَقِيرٍ وَغَنِيٍّ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ‏,‏ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ‏.‏

وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ‏:‏ زَكَاةُ الْفِطْرِ مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ‏,‏ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ‏,‏ أَوْ تَمْرٍ‏.‏

قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ‏:‏ وَبَلَغَنِي هَذَا أَيْضًا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيق عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ‏.‏

وَالأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ‏,‏ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ‏,‏ أَوْ شَعِيرٍ يَعْنِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ

حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبَ، حدثنا دَاوُد يَعْنِي ابْنَ قَيْسٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ‏:‏ كُنَّا نُخْرِجُ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ‏,‏ فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُ ذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا‏;‏ فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ‏:‏ إنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءَ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ‏,‏ فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ‏.‏

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ‏:‏ فأما أَنَا فَلاَ أُخْرِجُهُ أَبَدًا مَا عِشْتُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنَ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ‏:‏ أَنَّ مَرْوَانَ بَعَثَ إلَى أَبِي سَعِيدٍ‏:‏ أَنْ ابْعَثْ إلَيَّ بِزَكَاةِ رَقِيقِكَ‏,‏ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ‏:‏ إنَّ مَرْوَانَ لاَ يَعْلَمُ‏,‏ إنَّمَا عَلَيْنَا أَنَّ نُطْعِمَ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ صَاعَ تَمْرٍ‏,‏ أَوْ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏ ذَكَرْتُ لاَِبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فَقَالَ لاَ أُخْرِجُ إلاَّ مَا كُنْتُ أُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَاعًا مِنْ تَمْرٍ‏,‏ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ‏,‏ أَوْ صَاعَ زَبِيبٍ أَوْ صَاعَ أَقِطٍ‏,‏ فَقِيلَ لَهُ‏:‏ أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ فَقَالَ‏:‏ لاَ‏,‏ تِلْكَ قِيمَةُ مُعَاوِيَةَ‏,‏ لاَ أَقْبَلُهَا‏,‏ وَلاَ أَعْمَلُ بِهَا ‏"‏‏.‏

فَهَذَا أَبُو سَعِيدٍ يَمْنَعُ مِنْ ‏"‏ الْبُرِّ ‏"‏ جُمْلَةً‏;‏ وَمِمَّا عَدَا مَا ذُكِرَ‏,‏ وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إيجَابُ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ عَلَى الإِنْسَانِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ‏,‏ أَوْ قِيمَتِهِ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ نِصْفُ دِرْهَمٍ‏.‏

مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ‏:‏ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَيْنَا بِذَلِكَ‏,‏ وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ طَاوُسٍ‏,‏ وَمُجَاهِدٍ‏,‏ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ‏,‏ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ‏,‏ وَاللَّيْثِ‏,‏ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قال أبو محمد‏:‏ تَنَاقَضَ هَاهُنَا الْمَالِكِيُّونَ الْمُهَوِّلُونَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَخَالَفُوا أَبَا بَكْرٍ‏,‏ وَعُمَرَ‏,‏ وَعُثْمَانَ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ‏,‏ وَعَائِشَةَ‏,‏ وَأَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ‏,‏ وَأَبَا هُرَيْرَةَ‏,‏ وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنَ مَسْعُودٍ‏,‏ وَابْنَ عَبَّاسٍ‏,‏ وَابْنَ الزُّبَيْرِ‏,‏ وَأَبَا سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ‏,‏ وَهُوَ عنهم كُلُّهُمْ صَحِيحٌ إلاَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ‏,‏ وَابْنِ مَسْعُودٍ‏,‏ إلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ يَحْتَجُّونَ بِأَضْعَفَ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ إذَا وَافَقَتْهُمْ‏.‏

ثُمَّ فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ‏:‏ ابْنَ الْمُسَيِّبِ‏,‏ وَعُرْوَةَ‏,‏ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرَهُمْ أَفَلاَ يَتَّقِي اللَّهَ مَنْ يَزِيدُ فِي الشَّرَائِعِ مَا لَمْ يَصِحَّ قَطُّ‏,‏ مِنْ جَلْدِ الشَّارِبِ لِلْخَمْرِ ثَمَانِينَ‏,‏ بِرِوَايَةٍ لَمْ تَصِحَّ قَطُّ عَنْ عُمَرَ‏,‏ ثُمَّ قَدْ صَحَّ خِلاَفُهَا عَنْهُ‏,‏ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ قَبْلَهُ‏,‏ وَعَنْ عُثْمَانَ‏,‏ وَعَلِيٍّ بَعْدَهُ‏,‏ وَالْحَسَنِ‏,‏ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم لاَ يُخَالِفُهُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ‏,‏ وَمَعَهُمْ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ‏:‏ ثُمَّ لاَ يَلْتَفِتُ هَاهُنَا إلَى هَؤُلاَءِ كُلِّهِمْ‏.‏

وأما الْحَنَفِيُّونَ الْمُتَزَيِّنُونَ فِي هَذَا الْمَكَانِ بِاتِّبَاعِهِمْ فَقَدْ خَالَفُوا أَبَا بَكْرٍ‏,‏ وَعُمَرَ‏,‏ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ‏;‏ وَابْنَ مَسْعُودٍ‏,‏ وَابْنَ عَبَّاسٍ‏,‏ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ‏,‏ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ‏,‏ وَأُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ‏,‏ وَخَالَفُوا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ‏,‏ وَأَبَا مَسْعُودٍ‏,‏ وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ‏,‏ وَبِلاَلاً وَأَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَابْنَ عُمَرَ‏,‏ وَسَهْلَ بْنَ سَعْدٍ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ‏,‏ وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ كُلِّ مَنْ يُجِيزُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ‏,‏ وَمِثْلُ هَذَا لَهُمْ كَثِيرٌ جِدًّا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ‏,‏ وَلاَ حُجَّةَ إلاَّ فِيمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ لَيْسَ عَلَى الأَعْرَابِ‏,‏ أَهْلِ الْبَادِيَةِ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَعَنْ الْحَسَنِ‏:‏ أَنَّهَا عَلَيْهِمْ‏,‏ وَأَنَّهُمْ يُخْرِجُونَ فِي ذَلِكَ اللَّبَنِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لَمْ يَخُصَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْرَابِيًّا، وَلاَ بَدَوِيًّا مِنْ غَيْرِهِمْ‏,‏ فَلَمْ يُجِزْ تَخْصِيصَ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏,‏ وَلاَ يُجْزِئُ لَبَنٌ، وَلاَ غَيْرُهُ‏,‏ إلاَّ الشَّعِيرَ‏,‏ أَوْ التَّمْرَ فَقَطْ‏.‏

وأما الْحَمْلُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْجَبَهَا عَلَى كُلِّ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ‏,‏ وَالْجَنِينُ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ‏:‏ صَغِيرٍ‏,‏ فَإِذَا أَكْمَلَ مِائَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ قَبْلَ انْصِدَاعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ وَجَبَ أَنْ تُؤَدَّى عَنْهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرِيُّ ‏,‏ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ‏,‏ قَالَ حَفْصُ

حدثنا شُعْبَةُ‏,‏ وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ

حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ‏,‏ ثُمَّ اتَّفَقَ سُفْيَانُ‏,‏ وَشُعْبَةُ كِلاَهُمَا عَنْ الأَعْمَشِ

حدثنا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّه بْنُ مَسْعُودٍ، حدثنا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا‏,‏ ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ‏,‏ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ‏,‏ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إلَيْهِ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ‏,‏ رِزْقُهُ‏,‏ وَعَمَلُهُ‏,‏ وَأَجَلُهُ‏,‏ ثُمَّ يُكْتَبُ‏:‏ شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ‏,‏ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ قال أبو محمد‏:‏ هُوَ قَبْلَ مَا ذَكَرْنَا مَوَاتَ‏,‏ فَلاَ حُكْمَ عَلَى مَيِّتٍ‏,‏ فأما إذَا كَانَ حَيًّا كَمَا أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكُلُّ حُكْمٍ وَجَبَ عَلَى الصَّغِيرِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ

حدثنا أَبِي، حدثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ وَقَتَادَةَ‏:‏ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يُعْطِي صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ‏,‏ وَالْكَبِيرِ‏,‏ وَالْحَمْلِ‏.‏

وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ‏:‏ كَانَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ يُعْطُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ‏,‏ وَالْكَبِيرِ‏,‏ حَتَّى عَنْ الْحَمْلِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ‏,‏ وَأَبُو قِلاَبَةَ أَدْرَكَ الصَّحَابَةَ وَصَحِبَهُمْ وَرَوَى عنهم‏,‏ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ‏:‏ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْحَمْلِ أَيُزَكَّى عَنْهُ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

وَلاَ يُعْرَفُ لِعُثْمَانَ فِي هَذَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَهُمْ يُعَظِّمُونَ بِمِثْلِ هَذَا إذَا وَافَقَهُمْ‏.‏

705 - مَسْأَلَةٌ

وَيُؤَدِّيهَا الْمُسْلِمُ عَنْ رَقِيقِهِ‏,‏ مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ‏,‏ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ لِتِجَارَةٍ أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِي الْكُفَّارِ وقال مالك‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ‏:‏ لاَ تُؤَدَّى إلاَّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ وقال أبو حنيفة‏:‏ لاَ تُؤَدَّى زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ رَقِيقِ التِّجَارَةِ‏.‏

وقال مالك وَالشَّافِعِيُّ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ‏:‏ تُؤَدَّى عنهم زَكَاةُ الْفِطْرِ‏.‏

وَقَالُوا كُلُّهُمْ حَاشَا أَبَا سُلَيْمَانَ‏:‏ يُخْرِجُهَا السَّيِّدُ عنهم‏,‏ وَبِهِ نَقُولُ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانُ‏:‏ يُخْرِجُهَا الرَّقِيقُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ‏.‏

وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ إخْرَاجَهَا عَنْ الرَّقِيقِ الْكُفَّارِ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى حُرٍّ‏,‏ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى‏,‏ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا صَحِيحٌ‏,‏ وَبِهِ نَأْخُذُ‏,‏ إلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إسْقَاطُهَا عَنْ الْمُسْلِمِ فِي الْكُفَّارِ مِنْ رَقِيقِهِ، وَلاَ إيجَابُهَا‏,‏ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلاَّ هَذَا الْخَبَرُ وَحْدَهُ لَمَا وَجَبَتْ عَلَيْنَا زَكَاةُ الْفِطْرِ إلاَّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ رَقِيقِنَا فَقَطْ‏.‏

وَلَكِنْ وَجَدْنَا حَدَّثَنَاهُ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ قَالَ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ الْقَاضِي، حدثنا يَحْيَى بْنُ مَالِكِ بْنِ عَائِذٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي الشَّرِيفِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَكِّيٍّ الْخَوْلاَنِيِّ ‏,‏ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْغَافِقِيُّ قَالاَ جَمِيعًا

حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏)‏‏)‏ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَعَبْدِهِ صَدَقَةٌ‏,‏ إلاَّ صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الطَّرِيقِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَأَوْجَبَ عليه الصلاة والسلام صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي رَقِيقِهِ عُمُومًا‏,‏ فَكَانَ هَذَا زَائِدًا عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ‏,‏ وَكَانَ بَاقِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بَعْضَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ‏,‏ لاَ مُعَارِضًا لَهُ أَصْلاً‏,‏ فَلَمْ يَجُزْ خِلاَفُ هَذَا الْخَبَرِ‏.‏

وَبِهَذَا الْخَبَرِ تَأْدِيَةُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى السَّيِّدِ عَنْ رَقِيقِهِ‏,‏ لاَ عَلَى الرَّقِيقِ وَبِهِ أَيْضًا يَسْقُطُ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ زَكَاةِ التِّجَارَةِ فِي الرَّقِيقِ‏,‏ لأَِنَّهُ عليه السلام أَبْطَلَ كُلَّ زَكَاةٍ فِي الرَّقِيقِ إلاَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ أَتَوْا إلَى زَكَاتَيْنِ مَفْرُوضَتَيْنِ‏,‏ إحْدَاهُمَا فِي الْمَوَاشِي‏,‏ وَالآُخْرَى زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ‏:‏ فَأَسْقَطُوا بِإِحْدَاهُمَا زَكَاةَ التِّجَارَةِ فِي الْمَوَاشِي الْمُتَّخَذَةِ لِلتِّجَارَةِ‏,‏ وَأَسْقَطُوا الآُخْرَى بِزَكَاةِ التِّجَارَةِ فِي الرَّقِيقِ وَحَسْبُكَ بِهَذَا تَلاَعُبًا وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ غَلَّبُوا مَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الأَخْبَارِ فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةٌ وَلَمْ يُغَلِّبُوا مَا جَاءَ فِي بَعْضِ الأَخْبَارِ فِي أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا جَاءَ فِي سَائِرِ الأَخْبَارِ إلاَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ وَهَذَا تَحَكُّمٌ فَاسِدٌ وَتَنَاقُضٌ، وَلاَ بُدَّ مِنْ تَغْلِيبِ الأَعَمِّ عَلَى الأَخَصِّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ‏,‏ إلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بَيَانُ نَصٍّ فِي الأَخَصِّ بِنَفْيِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي الأَعَمِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

706 - مَسْأَلَةٌ

فَإِنْ كَانَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا فَعَلَى سَيِّدَيْهِمَا إخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ

يُخْرِجُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَالِكَيْهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ‏,‏ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الرَّقِيقُ كَثِيرًا بَيْنَ سَيِّدَيْنِ فَصَاعِدًا وقال أبو حنيفة‏,‏ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ‏,‏ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ‏:‏ لَيْسَ عَلَى سَيِّدَيْهِ، وَلاَ عَلَيْهِ أَدَاءُ زَكَاةِ الْفِطْرِ‏,‏ وَكَذَلِكَ لَوْ كَثُرَ الرَّقِيقُ الْمُشْتَرَكُ وقال مالك‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ يُخْرِجُ عَنْهُ سَيِّدَاهُ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا‏,‏ وَكَذَلِكَ لَوْ كَثُرَ الرَّقِيقُ قال أبو محمد‏:‏ مَا نَعْلَمُ لِمَنْ أُسْقِطَ عَنْهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَعَنْ سَيِّدِهِ حُجَّةً أَصْلاً‏,‏ إلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ سَيِّدَيْهِ يَمْلِكُ عَبْدًا‏,‏ وَلاَ أَمَةً وقال بعضهم‏:‏ مَنْ مَلَكَ بَعْضَ الصَّاعِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ‏,‏ فَكَذَلِكَ مَنْ مَلَكَ بَعْضَ عَبْدٍ‏,‏ أَوْ بَعْضَ كُلِّ عَبْدٍ‏,‏ أَوْ أَمَةٍ مِنْ رَقِيقٍ كَثِيرٍ قال أبو محمد‏:‏ أَمَّا قَوْلُهُمْ‏:‏ لاَ يَمْلِكُ عَبْدًا‏,‏ وَلاَ أَمَةً فَصَدَقُوا‏,‏ وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ‏,‏ لأَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقُلْ‏:‏ يُخْرِجُهَا كُلُّ أَحَدٍ عَنْ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ‏,‏ وَإِنَّمَا قَالَ‏:‏ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ، وَلاَ فَرَسِهِ صَدَقَةٌ إلاَّ صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ فَهَؤُلاَءِ رَقِيقٌ‏,‏ وَالْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ رَقِيقٌ‏,‏ فَالصَّدَقَةُ فِيهِ وَاجِبَةٌ بِنَصِّ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْمُسْلِمِ‏,‏ وَهَذَا اسْمٌ يَعُمُّ النَّوْعَ كُلَّهُ وَبَعْضَهُ‏,‏ وَيَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمِيعِ‏,‏ وَبِهَذَا النَّصِّ لَمْ يَجُزْ فِي الرَّقَبَةِ الْوَاجِبَةِ نِصْفَا رَقَبَتَيْنِ‏,‏ لأَِنَّهُ لاَ يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ ‏"‏ رَقَبَةٌ ‏"‏ وَالنَّصُّ جَاءَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ‏:‏ مَنْ أَعْطَى نِصْفَيْ شَاتَيْنِ فِي الزَّكَاةِ أَجْزَأَتْهُ‏,‏ وَلَوْ أَعْتَقَ نِصْفَيْ رَقَبَتَيْنِ فِي رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يُجْزِهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ‏:‏ مَنْ كَانَ مِنْ مَمْلُوكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا فَعَلَى سَادَاتِهِ فِيهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ‏;‏ فَإِنْ كَانَ عَبْدَانِ فَصَاعِدًا عَنْ اثْنَيْنِ فَلاَ صَدَقَةَ فِطْرٍ عَلَى الرَّقِيقِ، وَلاَ عَلَى مَنْ يَمْلِكُهُمْ وأما قَوْلُهُمْ‏:‏ إنَّهُ قِيَاسٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَجِدْ إلاَّ بَعْضَ الصَّاعِ فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ‏,‏ ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ‏;‏ لأَِنَّهُ قِيَاسٌ لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ‏,‏ بَلْ مَنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ صَاعٍ لَزِمَهُ أَدَاؤُهُ‏,‏ عَلَى مَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ لَيْسَ زَكَاةُ الْفِطْرِ إلاَّ عَنْ مَمْلُوكٍ تَمْلِكُهُ‏,‏ قَالَ وَكِيعٌ‏:‏ يَعْنِي فِي الْمَمْلُوكِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ‏,‏ وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ صَاحِبًا لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مُخَالِفٌ‏,‏ وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي إيجَابِهِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ‏,‏ وَعَبْدٍ‏,‏ صَغِيرٍ‏,‏ وَكَبِيرٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى‏,‏ وَخَالَفُوا فِيهِ الْقِيَاسَ‏;‏ لأَِنَّهُمْ أَوْجَبُوا الزَّكَاةَ فِي الْغَنَمِ الْمُشْتَرَكَةِ وَأَسْقَطُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ الرَّقِيقِ الْمُشْتَرَكِ‏.‏

707 - مَسْأَلَةٌ

وأما الْمُكَاتَبُ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ فَهُوَ عَبْدٌ‏,‏ يُؤَدِّي سَيِّدُهُ عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ

فَإِنْ أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ‏,‏ أَوْ كَانَ عَبْدٌ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ‏,‏ أَوْ أَمَةٌ كَذَلِكَ‏:‏ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِيمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ مَمْلُوكٌ‏:‏ عَلَى مَالِكِ بَعْضِهِ إخْرَاجُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْهُ بِمِقْدَارِ مَا يَمْلِكُ مِنْهُ‏;‏ وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ نَفْسِهِ بِمِقْدَارِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ‏,‏ وَلَمْ يَرِدْ عَلَى سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ أَنْ يُعْطِيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ مُكَاتَبِهِ‏.‏

وقال مالك‏:‏ يُؤَدِّي السَّيِّدُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ مُكَاتَبِهِ وَعَنْ مِقْدَارِ مَا يَمْلِكُ عَنْ الَّذِي بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ وَلَيْسَ عَلَى الَّذِي بَعْضُهُ رَقِيقٌ وَبَعْضُهُ حُرٌّ أَنْ يُخْرِجَ بَاقِيَ الصَّاعِ عَنْ بَعْضِهِ الْحُرِّ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لاَ تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏,‏ لاَ عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَلاَ عَلَى سَيِّدِهِ‏.‏

وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ عَلَى السَّيِّدِ أَدَاءَ الزَّكَاةِ عَنْ مُكَاتَبِهِ بِرِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ رَقِيقِهِ وَرَقِيقِ امْرَأَتِهِ‏,‏ وَكَانَ لَهُ مُكَاتَبٌ فَكَانَ لاَ يُؤَدِّي عَنْهُ‏,‏ وَكَانَ لاَ يَرَى عَلَى الْمُكَاتَبِ زَكَاةً‏.‏

قَالُوا‏:‏ وَهَذَا صَاحِبٌ لاَ مُخَالِفَ لَهُ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لاَ حُجَّةَ فِيمَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا الأَثَرِ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ فَلَمْ يُوجِبُوا عَلَى الْمَرْءِ إخْرَاجَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ رَقِيقِ امْرَأَتِهِ وَمِنْ الْعَجَبِ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ ابْنِ عُمَرَ بَعْضُهُ حُجَّةً وَبَعْضُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لَعَلَّهُ كَانَ يَتَطَوَّعُ بِإِخْرَاجِهَا عَنْ رَقِيقِ الْمَرْأَةِ قِيلَ‏:‏ وَلَعَلَّ ذَلِكَ الْمُكَاتَبَ كَلَّفَهُ إخْرَاجَهَا مِنْ كَسْبِهِ‏,‏ كَمَا لِلْمَرْءِ أَنْ يُكَلِّفَ ذَلِكَ عَبْدَهُ‏,‏ كَمَا يُكَلِّفُهُ الضَّرِيبَةَ‏;‏ وَلَعَلَّهُ كَانَ يَرَى أَنْ يُخْرِجَهَا الْمُكَاتَبُ عَنْ نَفْسِهِ‏;‏ وَلَعَلَّهُ قَدْ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ‏,‏ فَكُلُّ هَذَا يَدْخُلُ فِيهِ ‏"‏ لَعَلَّ ‏"‏‏.‏

وأما قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ‏;‏ لأَِنَّهُ جَعَلَ زَكَاةَ الْفِطْرِ نِصْفَ صَاعٍ‏;‏ أَوْ عُشْرَ صَاعٍ‏,‏ أَوْ تِسْعَةَ أَعْشَارٍ صَاعٍ فَقَطْ‏,‏ وَهَذَا خِلاَفُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا‏,‏ وَأَوْجَبَهَا عَلَى بَعْضِ إنْسَانٍ دُونَ سَائِرِهِ‏,‏ وَهَذَا خِلاَفُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا وأما قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَخَطَأٌ‏;‏ لأَِنَّهُ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الْفِطْرِ فِيمَنْ لاَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ رَقِيقٍ مِمَّنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ عَبْدٌ‏,‏ وَهَذَا مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ، وَلاَ إجْمَاعٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَالْحَقُّ مِنْ هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْجَبَهَا عَلَى الْحُرِّ‏,‏ وَالْعَبْدِ‏,‏ وَالذَّكَرِ‏,‏ وَالآُنْثَى‏,‏ وَالصَّغِيرِ‏,‏ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏,‏ فَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ عَبْدٌ فَلَيْسَ حُرًّا‏,‏ وَلاَ هُوَ أَيْضًا عَبْدٌ‏,‏ وَلاَ هُوَ رَقِيقٌ‏,‏ فَسَقَطَ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَجِبَ عَلَى مَالِكِ بَعْضِهِ عَنْهُ شَيْءٌ‏,‏ وَلَكِنَّهُ ذَكَرٌ‏,‏ أَوْ أُنْثَى‏,‏ صَغِيرٌ‏,‏ أَوْ كَبِيرٌ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلاَ بُدَّ بِهَذَا النَّصِّ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وأما قَوْلُنَا فِي الْمُكَاتَبِ يُؤَدِّي بَعْضَ كِتَابَتِهِ إنَّهُ يُؤَدِّيهَا عَنْ نَفْسِهِ‏:‏ فَهُوَ لأَِنَّ بَعْضَهُ حُرٌّ وَبَعْضَهُ مَمْلُوكٌ كَمَا ذَكَرْنَا‏;‏ فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا عَنْ نَفْسِهِ لِمَا ذَكَرْنَا حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الدِّمَشْقِيُّ، حدثنا يَزِيدُ، هُوَ ابْنُ هَارُونَ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ‏,‏ وَقَتَادَةَ‏,‏ قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ عَنْ خِلاَسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ‏,‏ وَقَالَ أَيُّوبُ‏:‏ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏,‏ ثُمَّ اتَّفَقَ عَلِيٌّ‏,‏ وَابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ الْمُكَاتَبُ يُعْتَقُ مِنْهُ بِمِقْدَارِ مَا أَدَّى وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِمِقْدَارِ مَا عَتَقَ مِنْهُ وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ‏:‏ أَنَّ عَلَى الْمُكَاتَبِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ‏.‏

وَعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ‏,‏ وَعَطَاءٍ‏:‏ يُؤَدِّيهَا عَنْهُ سَيِّدُهُ‏.‏

708 - مَسْأَلَةٌ

وَلاَ يُجْزِئُ إخْرَاجُ بَعْضِ الصَّاعِ شَعِيرًا وَبَعْضِهِ تَمْرًا‏,‏ وَلاَ تُجْزِئُ قِيمَةٌ أَصْلاً‏;‏ لأَِنَّ كُلَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَا فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْقِيمَةُ فِي حُقُوقِ النَّاسِ لاَ تَجُوزُ إلاَّ بِتَرَاضٍ مِنْهُمَا‏,‏ وَلَيْسَ لِلزَّكَاةِ مَالِكٌ بِعَيْنِهِ فَيَجُوزُ رِضَاهُ‏,‏ أَوْ إبْرَاؤُهُ

709 - مَسْأَلَةٌ

وَلَيْسَ عَلَى الإِنْسَانِ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْ أَبِيهِ وَلاَ عَنْ أُمِّهِ‏,‏ وَلاَ عَنْ زَوْجَتِهِ‏,‏ وَلاَ عَنْ وَلَدِهِ‏,‏ وَلاَ أَحَدٍ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ‏,‏ وَلاَ تَلْزَمُهُ إلاَّ عَنْ نَفْسِهِ‏,‏ وَرَقِيقِهِ فَقَطْ

وَيَدْخُلُ فِي‏:‏ الرَّقِيقِ أُمَّهَاتُ الأَوْلاَدِ‏,‏ وَالْمُدَبَّرُونَ‏,‏ غَائِبُهُمْ وَحَاضِرُهُمْ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ‏,‏ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وقال مالك‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ يُخْرِجُهَا عَنْ زَوْجَتِهِ‏,‏ وَعَنْ خَادِمِهَا الَّتِي لاَ بُدَّ لَهَا مِنْهَا، وَلاَ يُخْرِجُهَا عَنْ أَجِيرِهِ‏.‏

وَقَالَ اللَّيْثُ‏:‏ يُخْرِجُهَا عَنْ زَوْجَتِهِ‏,‏ وَعَنْ أَجِيرِهِ الَّذِي لَيْسَتْ أُجْرَتُهُ مَعْلُومَةً‏,‏ فَإِنْ كَانَتْ أُجْرَتُهُ مَعْلُومَةً فَلاَ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا عَنْهُ‏,‏ وَلاَ عَنْ رَقِيقِ امْرَأَتِهِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ مَا نَعْلَمُ لِمَنْ أَوْجَبَهَا عَلَى الزَّوْجِ عَنْ زَوْجَتِهِ وَخَادِمِهَا إلاَّ خَبَرًا رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ‏,‏ أَوْ عَبْدٍ‏,‏ ذَكَرٍ‏,‏ أَوْ أُنْثَى‏,‏ مِمَّنْ تَمُونُونَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَفِي هَذَا الْمَكَانِ عَجَبٌ عَجِيبٌ وَهُوَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لاَ يَقُولُ بِالْمُرْسَلِ‏,‏ ثُمَّ أَخَذَ هَاهُنَا بِأَنْتَنِ مُرْسَلٍ فِي الْعَالِمِ‏,‏ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي يَحْيَى‏.‏

وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ‏.‏

وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَقُولُونَ‏:‏ الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ‏,‏ وَيَحْتَجُّونَ بِرِوَايَةِ كُلِّ كَذَّابٍ‏,‏ وَسَاقِطٍ‏;‏ ثُمَّ تَرَكُوا هَذَا الْخَبَرَ وَعَابُوهُ بِالإِرْسَالِ وَبِضَعْفِ رَاوِيهِ وَتَنَاقَضُوا فَقَالُوا‏:‏ لاَ يُزَكِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ زَوْجَتِهِ‏,‏ وَعَلَيْهِ فُرِضَ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهَا فَحَسْبُكُمْ بِهَذَا تَخْلِيطًا‏.‏

وأما تَقْسِيمُ اللَّيْثِ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ‏.‏

وأما الْمَالِكِيُّونَ فَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْخَبَرِ ثُمَّ خَالَفُوهُ‏;‏ فَلَمْ يَرَوْا أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ الأَجِيرِ‏,‏ وَهُوَ مِمَّنْ يُمَوَّنُ قال أبو محمد‏:‏ إيجَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الصَّغِيرِ‏,‏ وَالْكَبِيرِ‏,‏ وَالْحُرِّ‏,‏ وَالْعَبْدِ‏,‏ وَالذَّكَرِ‏,‏ وَالآُنْثَى‏:‏ هُوَ إيجَابٌ لَهَا عَلَيْهِمْ‏,‏ فَلاَ تَجِبُ عَلَى غَيْرِهِمْ فِيهِ إلاَّ مَنْ أَوْجَبَهُ النَّصُّ‏,‏ وَهُوَ الرَّقِيقُ فَقَطْ‏,‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلاَّ عَلَيْهَا، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى‏}‏‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَوَاجِبٌ عَلَى ذَاتِ الزَّوْجِ إخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْ نَفْسِهَا وَعَنْ رَقِيقِهَا‏,‏ بِالنَّصِّ الَّذِي أَوْرَدْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏.‏

710 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ كَانَ مِنْ الْعَبِيدِ لَهُ رَقِيقٌ فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا عنهم لاَ عَلَى سَيِّدِهِ

لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ‏,‏ وَلاَ عَبْدِهِ صَدَقَةٌ إلاَّ صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ‏.‏

فَالْعَبْدُ مُسْلِمٌ وَهُوَ رَقِيقٌ لِغَيْرِهِ‏,‏ وَلَهُ رَقِيقٌ‏,‏ فَعَلَى مَنْ هُوَ لَهُ رَقِيقٌ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْهُ‏;‏ وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْ رَقِيقِهِ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

فإن قيل‏:‏ كَيْفَ لاَ يَلْزَمُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَتَلْزَمُهُ عَنْ غَيْرِهِ قلنا‏:‏ كَمَا حَكَمَ فِي ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم

ثم نقول لِلْمَالِكِيِّينَ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّينَ‏:‏ أَنْتُمْ تَقُولُونَ بِهَذَا حَيْثُ تُخْطِئُونَ‏,‏ فَتَقُولُونَ‏:‏ إنَّ الزَّوْجَةَ لاَ تُخْرِجُهَا عَنْ نَفْسِهَا‏,‏ وَعَلَيْهَا أَنْ تُخْرِجَهَا عَنْ رَقِيقِهَا حَاشَا مَنْ لاَ بُدَّ لَهَا مِنْهُ لِخِدْمَتِهَا وَلَوَدِدْنَا أَنْ نَعْرِفَ مَا يَقُولُ الْحَنَفِيُّونَ فِي نَصْرَانِيٍّ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِهِ أَوْ عَبْدُهُ فَحُبِسَ لِيُبَاعَ فَجَاءَ الْفِطْرُ‏,‏ عَلَى مَنْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عنهما وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ لاَ تَقَعَانِ فِي قَوْلِنَا أَبَدًا‏;‏ لأَِنَّهُ سَاعَةَ تَسَلُّمِ أُمِّ وَلَدِهِ أَوْ عَبْدِهِ‏:‏ عَتَقَا فِي الْوَقْتِ‏.‏

711 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ لَهُ عَبْدَانِ فَأَكْثَرُ فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ أَحَدِهِمَا تَمْرًا وَعَنْ الآخَرِ شَعِيرًا‏,‏ صَاعًا صَاعًا

وَإِنْ شَاءَ التَّمْرَ عَنْ الْجَمِيعِ‏,‏ وَإِنْ شَاءَ الشَّعِيرَ عَنْ الْجَمِيعِ‏;‏ لأَِنَّهُ نَصُّ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ ‏.‏

712 - مَسْأَلَةٌ

وأما الصِّغَارُ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُخْرِجَهَا الأَبُ‏,‏ وَالْوَلِيُّ عنهم مِنْ مَالٍ إنْ كَانَ لَهُمْ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ فَلاَ زَكَاةَ فِطْرٍ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ‏,‏ وَلاَ بَعْدَ ذَلِكَ

وقال أبو حنيفة‏:‏ يُؤَدِّيهَا الأَبُ عَنْ وَلَدِهِ الصِّغَارِ الَّذِينَ لاَ مَالَ لَهُمْ‏;‏ فَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ‏,‏ فَإِنْ أَدَّاهَا مِنْ مَالِهِمْ كَرِهْتُ لَهُ ذَلِكَ وَأَجْزَأَهُ قَالَ‏:‏ وَيُؤَدِّيهَا عَنْ الْيَتِيمِ وَصِيُّهُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ‏,‏ وَعَنْ رَقِيقِ الْيَتِيمِ أَيْضًا وَقَالَ زُفَرُ ‏,‏ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ‏:‏ لَيْسَ عَلَى الْيَتِيمِ زَكَاةُ الْفِطْرِ‏,‏ كَانَ لَهُ مَالٌ‏,‏ أَوْ لَمْ يَكُنْ‏;‏ فَإِنْ أَدَّاهَا وَصِيُّهُ ضَمِنَهَا وقال مالك‏:‏ عَلَى الأَبِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ وَلَدِهِ الصِّغَارِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ‏,‏ فَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ فَهِيَ فِي أَمْوَالِهِمْ‏;‏ وَهِيَ عَلَى الْيَتِيمِ فِي مَالِهِ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ‏.‏

وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الأَبَ لاَ يُؤَدِّيهَا عَنْ وَلَدِهِ الْكِبَارِ‏,‏ كَانَ لَهُمْ مَالٌ‏,‏ أَوْ لَمْ يَكُنْ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً‏,‏ إلاَّ الدَّعْوَى‏:‏ فِي أَنَّ الْقَصْدَ بِذِكْرِ الصِّغَارِ إنَّمَا هُوَ إلَى آبَائِهِمْ لاَ إلَيْهِمْ قال أبو محمد‏:‏ وَهَذِهِ دَعْوَى فِي غَايَةِ الْفَسَادِ‏,‏ لأَِنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِالْخِطَابِ إلَيْهِمْ فِي إيجَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ‏,‏ وَإِنَّمَا قَصَدَ إلَى غَيْرِهِمْ‏:‏ فَمَنْ جَعَلَ الآبَاءَ مَخْصُوصِينَ بِذَلِكَ دُونَ سَائِرِ الأَوْلِيَاءِ‏,‏ وَالأَقَارِبِ‏,‏ وَالْجِيرَانِ‏,‏ وَالسُّلْطَانِ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لأَِنَّ الأَبَ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ رَجَعَ الْحَنِيفِيُّونَ إلَى مَا أَنْكَرُوا مِنْ ذَلِكَ وَيَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّينَ فِي هَذَا أَنْ يُؤَدِّيَهَا الأَبُ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ عنهم‏,‏ كَانَ لَهُمْ مَالٌ‏,‏ أَوْ لَمْ يَكُنْ‏;‏ لأَِنَّهُ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ دُونَهُمْ‏.‏

فَوَضَحَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ بِيَقِينٍ‏.‏

وَالْحَقُّ فِي هَذَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَهَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى‏:‏ الْكَبِيرِ‏,‏ وَالصَّغِيرِ‏,‏ فَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ‏,‏ وَادَّعَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَقُلْهُ‏,‏ وَلاَ دَلَّ عَلَيْهِ ثُمَّ وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا‏}‏‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏.‏

فَوَجَدْنَا مَنْ لاَ مَالَ لَهُ مِنْ كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَدَاءُ زَكَاةِ الْفِطْرِ‏;‏ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ لَمْ يُكَلَّفْهَا قَطُّ‏,‏ وَلَمَّا كَانَ لاَ يَسْتَطِيعُهَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهَا‏,‏ بِنَصِّ كَلاَمِهِ عليه الصلاة والسلام وَهِيَ لاَزِمَةٌ لِلْيَتِيمِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ‏,‏ وَإِنَّمَا قلنا‏:‏ إنَّهَا لاَ تَلْزَمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلاَِنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ مَحْدُودَةٌ بِوَقْتٍ مَحْدُودِ الطَّرَفَيْنِ‏,‏ بِخِلاَفِ سَائِرِ الزَّكَوَاتِ‏,‏ فَلَمَّا خَرَجَ وَقْتُهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ تَجِبَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا وَفِي غَيْرِ وَقْتِهَا‏;‏ لأَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِهَا بَعْدَ ذَلِكَ نَصٌّ، وَلاَ إجْمَاعٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

713 - مَسْأَلَةٌ

وَاَلَّذِي لاَ يَجِدُ مِنْ أَيْنَ يُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ فَلَيْسَتْ عَلَيْهِ ‏.‏

لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ‏,‏ وَلاَ تَلْزَمُهُ وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ‏;‏ لِمَا ذُكِرَ أَيْضًا فَمَنْ قَدَرَ عَلَى التَّمْرِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الشَّعِيرِ لِغَلاَئِهِ‏,‏ أَوْ قَدَرَ عَلَى الشَّعِيرِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّمْرِ لِغَلاَئِهِ‏:‏ أَخْرَجَ صَاعًا، وَلاَ بُدَّ مِنْ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ‏,‏ لِمَا ذَكَرْنَا أَيْضًا‏.‏

فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إلاَّ عَلَى بَعْضِ صَاعٍ أَدَّاهُ، وَلاَ بُدَّ‏,‏ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا‏}‏‏.‏

وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَهُوَ وَاسِعٌ لِبَعْضِ الصَّاعِ‏,‏ فَهُوَ مُكَلَّفٌ إيَّاهُ‏,‏ وَلَيْسَ وَاسِعًا لِبَعْضِهِ‏,‏ فَلَمْ يُكَلَّفْهُ‏.‏

وَهَذَا مِثْلُ الصَّلاَةِ‏,‏ يَعْجِزُ عَنْ بَعْضِهَا وَيَقْدِرُ عَلَى بَعْضِهَا‏,‏ وَمِثْلُ الدِّينِ‏,‏ يَقْدِرُ عَلَى بَعْضِهِ، وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى سَائِرِهِ وَلَيْسَ هَذَا مِثْلُ الصَّوْمِ‏,‏ يَعْجِزُ فِيهِ عَنْ تَمَامِ الْيَوْمِ‏,‏ أَوْ تَمَامِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ، وَلاَ مِثْلُ الرَّقَبَةِ الْوَاجِبَةِ‏,‏ وَالإِطْعَامِ الْوَاجِبِ فِي الْكَفَّارَاتِ‏,‏ وَالْهَدْيِ الْوَاجِبِ‏,‏ يَقْدِرُ عَلَى الْبَعْضِ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى سَائِرِهِ‏;‏ فَلاَ يُجْزِئُهُ شَيْءٌ مِنْهُ‏.‏

لأَِنَّ مَنْ اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ صَاعٌ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ بَعْضَهُ ثُمَّ بَعْضَهُ ثُمَّ بَعْضَهُ‏.‏

وَلاَ يَجُوزُ تَفْرِيقُ الْيَوْمِ‏,‏ وَلاَ يُسَمَّى مَنْ لَمْ يُتِمَّ صَوْمَ الْيَوْمِ صَائِمَ يَوْمٍ‏,‏ إلاَّ حَيْثُ جَاءَ بِهِ النَّصُّ فَيُجْزِئُهُ حِينَئِذٍ وأما بَعْضُ الرَّقَبَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ بِتَعْوِيضِ الصِّيَامِ مِنْ الرَّقَبَةِ إذَا لَمْ تُوجَدْ فَلَمْ يَجُزْ تَعَدِّي النَّصِّ‏,‏ وَكَانَ مُعْتِقُ بَعْضِ رَقَبَةٍ مُخَالِفًا لِمَا أُمِرَ بِهِ وَافْتُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ الرَّقَبَةِ التَّامَّةِ‏,‏ أَوْ مِنْ الإِطْعَامِ الْمُعَوِّضِ مِنْهَا‏,‏ أَوْ الصِّيَامِ الْمُعَوِّضِ مِنْهَا‏.‏

وأما بَعْضُ الشَّهْرَيْنِ فَمِنْ بَعْضِهَا‏,‏ أَوْ فَرَّقَهُمَا فَلَمْ يَأْتِ بِمَا أُمِرَ بِهِ مُتَتَابِعًا‏,‏ فَهُوَ عَلَيْهِ أَوْ عَوَّضَهُ حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ بِالتَّعْوِيضِ مِنْهُ‏.‏

وأما الْهَدْيُ فَإِنَّ بَعْضَ الْهَدْيِ مَعَ بَعْضِ هَدْيٍ آخَرَ لاَ يُسَمَّى هَدْيًا‏,‏ فَلَمْ يَأْتِ بِمَا أُمِرَ بِهِ‏;‏ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَيْهِ وأما الإِطْعَامُ فَيُجْزِئُهُ مَا وَجَدَ مِنْهُ حَتَّى يَجِدَ بَاقِيَهُ‏;‏ لأَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ مُرْتَبِطًا بِوَقْتٍ مَحْدُودِ الآخِرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

714 - مَسْأَلَةٌ

وَتَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى السَّيِّدِ عَنْ عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ‏,‏ وَالآبِقِ‏,‏ وَالْغَائِبِ‏,‏ وَالْمَغْصُوبِ‏,‏ لأَِنَّهُمْ رَقِيقُهُ‏,‏ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَخْصِيصِ هَؤُلاَءِ

وَلِلسَّيِّدِ إنْ كَانَ لِلْعَبْدِ مَالٌ أَوْ كَسْبٌ أَنْ يُكَلِّفَهُ إخْرَاجَ زَكَاةِ الْفِطْرِ مِنْ كَسْبِهِ أَوْ مَالِهِ‏,‏ لأَِنَّ لَهُ انْتِزَاعَ مَالٍ مَتَى شَاءَ‏,‏ وَلَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ الْخَرَاجَ بِالنَّصِّ وَالإِجْمَاعِ‏,‏ فَإِذَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِأَنْ يَصْرِفَ مَا كُلِّفَهُ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا شَاءَ‏.‏

715 - مَسْأَلَةٌ

وَالزَّكَاةُ لِلْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمَجْنُونِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ‏;‏ لأَِنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى‏,‏ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ‏,‏ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ

716 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَأَخَذَ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ أَوْ غَيْرِهَا مِقْدَارَ مَا يَقُومُ بِقُوتِ يَوْمِهِ وَفَضَلَ لَهُ مِنْهُ مَا يُعْطِي فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ‏:‏ لَزِمَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ

وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ مَنْ لَهُ أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ‏,‏ وَلَهُ أَخْذُهَا‏,‏ وَمَنْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا‏.‏

وَقَالَ سُفْيَانُ‏:‏ مَنْ لَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا فَهُوَ غَنِيٌّ‏,‏ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا فَهُوَ فَقِيرٌ‏.‏

وَقَالَ غَيْرُهُمَا‏:‏ مَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَهُوَ غَنِيٌّ‏,‏ فَإِنْ كَانَ لَهُ أَقَلُّ فَهُوَ فَقِيرٌ وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَهُوَ غَنِيٌّ قال أبو محمد‏:‏ سَنَتَكَلَّمُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الأَقْوَالِ‏,‏ وأما هَاهُنَا فَإِنَّ تَخْصِيصَ الْفَقِيرِ بِإِسْقَاطِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْهُ إذَا كَانَ وَاجِدًا لِمِقْدَارِهَا أَوْ لِبَعْضِهِ قَوْلٌ لاَ يَجُوزُ‏;‏ لأَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ‏,‏ نَعْنِي بِإِسْقَاطِهَا عَنْ الْفَقِيرِ‏,‏ وَإِنَّمَا جَاءَ النَّصُّ بِإِسْقَاطِ تَكْلِيفِ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ فَقَطْ‏;‏ فَإِذَا كَانَتْ فِي وُسْعِ الْفَقِيرِ فَهُوَ مُكَلَّفٌ إيَّاهَا بِعُمُومِ قَوْلِهِ عليه السلام‏:‏ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ‏,‏ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى‏,‏ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ‏.‏

وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ فِي الْفَقِيرِ‏:‏ أَنَّهُ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ وَيُعْطِيهَا ‏.‏

717 - مَسْأَلَةٌ

وَمَنْ أَرَادَ إخْرَاجَ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْ وَلَدِهِ الصِّغَارِ أَوْ الْكِبَارِ أَوْ عَنْ غَيْرِهِمْ‏:‏ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ إلاَّ بِأَنْ يَهَبَهَا لَهُمْ‏,‏ ثُمَّ يُخْرِجَهَا عَنْ الصَّغِيرِ‏,‏ وَالْمَجْنُونِ‏,‏ وَلاَ يُخْرِجَهَا عَمَّنْ يَعْقِلُ مِنْ الْبَالِغِينَ إلاَّ بِتَوْكِيلٍ مِنْهُمْ لَهُ عَلَى ذَلِكَ

بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا فَرَضَهَا عَلَيْهِ فِيمَا يَجِدُ مِمَّا هُوَ قَادِرٌ عَلَى إخْرَاجِهَا مِنْهُ‏,‏ أَوْ يَكُونُ وَلِيُّهُ قَادِرًا عَلَى إخْرَاجِهَا مِنْهُ‏,‏ وَلاَ يَكُونُ مَالُ غَيْرِهِ مَكَانًا لاَِدَاءِ الْفَرْضِ عَنْهُ‏;‏ إذْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ، وَلاَ إجْمَاعٌ‏;‏ فَإِذَا وَهَبَهَا لَهُ فَقَدْ صَارَ مَالِكًا لِمِقْدَارِهَا‏,‏ فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا‏,‏ فأما مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، وَلاَ يَعْقِلُ‏;‏ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى‏}‏‏.‏

وأما الْبَالِغُ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلاَّ عَلَيْهَا‏}‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

718 - مَسْأَلَةٌ

وَوَقْتُ زَكَاةِ الْفِطْرِ الَّذِي لاَ تَجِبُ قَبْلَهُ‏,‏ إنَّمَا تَجِبُ بِدُخُولِهِ‏,‏ ثُمَّ لاَ تَجِبُ بِخُرُوجِهِ‏:‏ فَهُوَ إثْرَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ‏,‏ مُمْتَدًّا إلَى أَنْ تَبْيَضَّ الشَّمْسُ وَتَحِلَّ الصَّلاَةُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ نَفْسِهِ

فَمَنْ مَاتَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ‏,‏ وَمَنْ وُلِدَ حِينَ ابْيِضَاضِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ‏,‏ أَوْ أَسْلَمَ كَذَلِكَ‏:‏ فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ‏,‏ وَمَنْ مَاتَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ أَوْ وُلِدَ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ تَمَادَتْ حَيَاتُهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ‏:‏ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهَا وَلَهُ مِنْ ابْنٍ يُؤَدِّيهَا فَهِيَ دَيْنٌ عَلَيْهِ أَبَدًا حَتَّى يُؤَدِّيَهَا مَتَى أَدَّاهَا‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ وَقْتُهَا مَغِيبُ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ‏,‏ فَمَنْ وُلِدَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ أَوْ أَسْلَمَ فَلاَ زَكَاةَ فِطْرٍ عَلَيْهِ‏,‏ وَمَنْ مَاتَ فِيهَا فَهِيَ عَلَيْهِ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ وَقْتُهَا انْشِقَاقُ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ‏,‏ فَمَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ‏,‏ أَوْ وُلِدَ بَعْدَ ذَلِكَ‏,‏ أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلاَ زَكَاةَ فِطْرٍ عَلَيْهِ‏.‏

وقال مالك مَرَّةً كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْهُ‏,‏ وَمَرَّةً قَالَ‏:‏ إنَّ مَنْ وُلِدَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ‏.‏

قال أبو محمد أَمَّا مَنْ رَأَى وَقْتَهَا غُرُوبَ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ قَالَ‏:‏ هِيَ زَكَاةُ الْفِطْرِ‏,‏ وَذَلِكَ هُوَ الْفِطْرُ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ وَالْخُرُوجُ عَنْهُ جُمْلَةً‏.‏

وَقَالَ الآخَرُونَ الَّذِينَ رَأَوْا وَقْتَهَا طُلُوعَ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ‏:‏ إنَّ هَذَا هُوَ وَقْتُ الْفِطْرِ‏,‏ لاَ مَا قَبْلَهُ‏;‏ لأَِنَّهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ كَانَ يُفْطِرُ كَذَلِكَ ثُمَّ يُصْبِحُ صَائِمًا فَإِنَّمَا أَفْطَرَ مِنْ صَوْمِهِ صَبِيحَةَ يَوْمِ الْفِطْرِ‏,‏ لاَ قَبْلَهُ‏,‏ وَحِينَئِذٍ دَخَلَ وَقْتُهَا بِاتِّفَاقٍ مِنَّا وَمِنْكُمْ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ‏}‏‏.‏

فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حدثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الْمُصَلَّى‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَهَذَا وَقْتُ أَدَائِهَا بِالنَّصِّ‏,‏ وَخُرُوجُهُمْ إلَيْهَا إنَّمَا هُوَ لاِِدْرَاكِهَا‏,‏ وَوَقْتُ صَلاَةِ الْفِطْرِ هُوَ جَوَازُ الصَّلاَةِ بِابْيِضَاضِ الشَّمْسِ يَوْمَئِذٍ فَإِذَا تَمَّ الْخُرُوجُ إلَى صَلاَةِ الْفِطْرِ بِدُخُولِهِمْ فِي الصَّلاَةِ فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُهَا وَبَقِيَ الْقَوْلُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا‏:‏ فَوَجَدْنَا الْفِطْرَ الْمُتَيَقَّنَ إنَّمَا هُوَ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ‏;‏ وَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ جَعَلَ وَقْتَهَا غُرُوبَ الشَّمْسِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةِ الْفِطْرِ‏;‏ لأَِنَّهُ خِلاَفُ الْوَقْتِ الَّذِي أُمِرَ عليه السلام بِأَدَائِهَا فِيهِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَمَنْ لَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا فَقَدْ وَجَبَتْ فِي ذِمَّتِهِ وَمَالِهِ لِمَنْ هِيَ لَهُ‏,‏ فَهِيَ دَيْنٌ لَهُمْ‏,‏ وَحَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِمْ‏,‏ وَقَدْ وَجَبَ إخْرَاجُهَا مِنْ مَالٍ وَحَرُمَ عَلَيْهِ إمْسَاكُهَا فِي مَالِهِ‏,‏ فَوَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا أَبَدًا‏,‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏,‏ وَيَسْقُطُ بِذَلِكَ حَقُّهُمْ‏,‏ وَيَبْقَى حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَضْيِيعِهِ الْوَقْتَ‏,‏ لاَ يَقْدِرُ عَلَى جَبْرِهِ إلاَّ بِالاِسْتِغْفَارِ وَالنَّدَامَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ‏.‏

وَلاَ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ وَقْتِهَا أَصْلاً‏.‏

فَإِنْ ذَكَرُوا خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ إذْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَبِيتِ عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ لَيْلَةً‏,‏ وَثَانِيَةً‏,‏ وَثَالِثَةً‏:‏ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ‏,‏ لأَِنَّهُ لاَ تَخْلُو تِلْكَ اللَّيَالِي أَنْ تَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ مِنْ شَوَّالٍ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ‏,‏ لأَِنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ فِي الْخَبَرِ‏,‏ وَلاَ يُظَنُّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ حَبَسَ صَدَقَةً وَجَبَ أَدَاؤُهَا عَنْ أَهْلِهَا‏,‏ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ شَوَّالٍ فَلاَ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ‏;‏ إذْ لَمْ يُكْمِلْ وَحَبَسَ وُجُودَ أَهْلِهَا‏;‏ وَفِي تَأْخِيرِهِ عليه الصلاة والسلام إعْطَاءَهَا بُرْهَانٌ عَلَى أَنَّ وَقْتَ إخْرَاجِهَا لَمْ يَحِنْ بَعْدُ‏,‏ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ فَلَمْ يُخْرِجْهَا عليه السلام‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ وَقْتِهَا، وَلاَ يُجْزِئُ‏;‏ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ لَيَالِي شَوَّالٍ فَبِلاَ شَكٍّ أَنَّ أَهْلَهَا لَمْ يُوجَدُوا‏,‏ فَتَرَبَّصَ عليه الصلاة والسلام وُجُودَهُمْ‏.‏

فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ‏.‏